فصل: سجع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يا غافلا عن نفسه أمرك عجيب يا قتيل الهوى داؤك غريب يا طويل الأمل ستدعى فتجيب وهذا عن قليل وكل آت قريب هلا تذكرت لحدك كيف تبيت وحدك ويباشر الثرى خدك وتقتسم الديدان جلدك ويضحك المحب بعدك ناسيًا عنه بعدك والأهل مذ وجدوا المال ما ما وجدوا فقدك إلى متى وحتى متى تترك رشدك أما تحسن أن تحسن إلينا قصدك الأمر جد مجد فلازم جدك:
ذهب الأحبة بعد طول تودد ** ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا

خذلوك أفقر ما تكون لغربة ** لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا

قضي القضاء وصرت صاحب حفرة ** عنك الأحبة أعرضوا وتصدعوا

ووجد على قبر مكتوب:
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ** ويحدث بعدي للخليل خليل

إذا انقطعت يومًا من العيش مدتي ** فإن غناء الباكيات قليل

إلى متى هذا التخليط والموت بكم محيط أين الأخ والخليط بادرهما موت نشيط كيف يلهوا هذا الشميط وله أسد مستشيط عليه وسخ وما يميط لا بل دم عبيط يا ربما انقبض النشيط تيقظ فكم هذا الغطيط اقبل نصحي واسمع من الوسيط يا ذا التحرك في الهوى لابد له من سكون على هذا كانت الدنيا وعليه تكون لا يغرنك سهلها فبعد السهل حزون لا تنظر إلى فرحها فكل فرح محزون تأمل فعلها بغيرك فبغض المقبح يهون إن روحك دين الممات وستقضى الديون ما فرحها مستتم ولا ترحها مأمون ما أضحكت السن إلا وأبكت العيون إياك وإيا المومس الخثون إنها لدار الغرور ومنزل للمنون كم نلوم على الغبن وما يعقل المغبون مهلا أضعتم المواعظ قلب هذا مفتون يا لائما لي في الهوى ماذا هوى هذا جنون أيها الغافل عما بين يديه لا يذكر الموت ولا يلتفت إليه شغله عن العواقب ما لديه وألهاه ما له عما عليه:
يا لقومي للآمل المغرور ** ولجاج لا ينقضي في الصدور

ولنفس مخدوعة بالأماني ** ولهم موكل بسرور

وانقباض الحياة عما يرجيه ** الفتى وامتداد حبل الغرور

يلتحيه الزمان في كل يوم ** دائبا كالتحاء غصن نضير

يتمنى في العيش ما ليس يلقاه ** وينسى حزم الزمان الغيور

ولعين غفت عن الأجل اليقظان ** أمسى بها قريب المسير

كل يوم يهيض للمرء عظما ** وهو يسطو فيه بعظم كسير

يحمل الموت بين جنبيه إذ يغدو ** ويخشاه من وراء الثغور

كل نفس في مستقر عليها ** والج من حمامها المقدور

يا من يجوب شرق الهوى ثم يقطع غربه فكم له من طلعة في طلبه وغربة كأنه بسيف الأسف قد سل من جفنه فأسال من جفنه غربه قال بعض أصحاب الحسن ليت ابن آدم لم يخلق فقال حبيب العجمي فقد وقعتم فاحتالوا تالله ما اهتم بالخلاص إلا أهل التقى والإخلاص أيامهم بالصلاح زاهرة ودولتهم للعدو قاهرة وأعينهم في الدجى ساهرة يخافون العرض على أرض الساهرة والعقول للنفوس ناهية آمرة وأخلاق الثياب على أخلاق طاهرة والدنيا عليهم والقلوب صابرة وفي الجملة باعوا الدنيا فاشتروا بها الآخرة قال أبو يزيد جمعت أسباب الدنيا فربطتها بحبل القنوع ووضعتها في منجنيق الصدق ورميت بها في جبل اليأس فاسترحت.
قرب الحرص مركبا لشقي ** إنما الحرص مركب الأشقياء

مرحبا بالكفاف يأتى عفيا ** وعلى المتعبات ذيل العفاء

ضلة لامرئ يشمر في الجمع ** لعيش مشمر للفناء

دائبا يكثر القناطير للوارث ** والعمر دائبا لانقضاء

حبذا كثرة القناطير لو كان ** لرب الكنوز كنز بقاء

يغتدى يرحم الأسير أسيرا ** جاهلا أنه من الأسراء

يحسب الحظ كله في يديه ** وهو منه على مدى الجوزاء

ذلك الخائب الشقي وإن كان ** يرى أنه من السعداء

.الكلام على قوله تعالى: {فاليوم لا تظلم نفس شيئا}:

ميزان العدل يوم القيامة مستقيم اللسان تبين فيه الذرة فيجزى العبد على الكلمة قالها في الخير والنظرة نظرها في الشر فيا من زاده من الخير طفيف احذر ميزان عدل لا يحيف أخبرنا ابن المذهب بسنده عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو ابن العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول له أتنكر من هذا شيئا أظلمتك كتبتي الحافظون قال لا يا رب فيقول ألك عذر أو حسنة فيبهت الرجل فيقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم اليوم عليك فيخرج لها بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول أحضروه فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال أنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة قال فطاشت السجلات وثقلت البطاقة البطاقة القطعة.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر بسنده عن يونس بن عبيد عن الحسن قال بينا عائشة رضي الله عنها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك قالت يا رسول الله هل تذكرون أهليكم يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا عند الميزان حين يوضع حتى يعلم أتثقل موازينه أم تخف وعند الكتاب حين يقال: {هاؤم اقرءوا كتابيه} حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أو في شماله أو وراء ظهره وعند الصراط حين يوضع بين ظهري جهنم حتى يعلم أينجو أم لا ينجو.
(أخبرنا) الكروخي بسنده عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه وعن أبي سعيد رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول له ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا وسخرت لك الانعام والحرث وتركتك ترأس وترتع أكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني أخبرنا ابن الحصين بسنده عن شعبة عن قتادة عن أبي سعيد الخدري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلص المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ويقوا أذن لهم في دخول الجنة.
قوله تعالى: {ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون} أتراك بأي عمل تجزى أتراك تهنى أو تعزى قلبك عند الصلاة في غيبة ولسانك في الصوم في غيبة وما صفت لك في العمر ركعة وقد مر أكثر الأجل بسرعة فانتبه قبل أن يفوت التدارك وفرغ قلبك قبل أن تفرغ دارك (أنبأنا) أحمد بن الحسين بن عثمان العطار بسنده عن جعفر بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن علي عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها ومن أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة بلجم من در وياقوت لا تروث ولا تبول لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاؤوا فيقول الذين أسفل منهم درجة يا رب بم بلغ عبادك هذه الكرامة كلها قال فيقال لهم إنهم كانوا يصلون الليل وأنتم تنامون وكانوا يصومون وكنتم تأكلون وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} وقرأ نافع وأبو عمرو في شغل بإسكان الغين وقرأ ابن يعمر في شغل بفتح الشين وإسكان الغين وقرأ أبو هريرة في شغل بفتحهما وللمفسرين في المراد بذلك الشغل قولان أحدهما أنه افتضاض الأبكار أخبرنا موهوب بن أحمد بسنده عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل} قال في افتضاض الأبكار والثاني النعمة قاله مجاهد وقال الحسن شغلهم نعيمهم عما فيه أهل النار من العذاب وفي قوله تعالى فاكهون أربعة أقوال أحدها فرحون قاله ابن عباس.
والثاني معجبون قاله الحسن والثالث ناعمون قاله مقاتل والرابع ذوو فاكهة كما يقال لابن تامر قاله أبو عبيدة وقرأ أبو جعفر فكهون وهل هي بمعنى القراءة الأولى فيه قولان أحدهما أنهما بمعنى واحد كما يقال حاذر وحذر قاله الفراء والثاني أن الفكه الذي يتفكه يقال فلان يتفكه بالطعام قاله أبو عبيدة قوله تعالى: {هم وأزواجهم في ظلال} الأزواج الحلائل والظلال جمع ظل وقرأ حمزة والكسائي في ظلل قاله الفراء وهي جمع ظل وقد تكون الظلال جمع ظلة أيضا قال المفسرون المراد بالظلال كنا القصور والمقصود أن بناء الجنة محكم عال فلو كان هناك شمس كان في ظلهم ما يرد أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداودي أنبأنا ابن أعين حدثنا الفربري حدثنا البخاري عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوه ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا (وقال كعب) لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بدا معصمها لذهب ضوء الشمس.
أخبرنا محمد بن منصور عن عباد بن راشد عن ثابت البناني قال كنت عند أنس بن مالك فقدم عليه ابن له من غزاة فساءله ثم قال ألا أخبرك عن صاحبنا فلان قال بينما نحن في غزاتنا قافلين إذ ثار وهو يقول واأهلاه واأهلاه فثرنا إليه فظننا أن عارضا عرض له فقلنا له ما شأنك فقال إني كنت أحدث نفسي أن لا أتزوج حتى أستشهد فيزوجني الله تعالى الحور العين فلما، طالت علي الشهادة حدثت نفسي في سفري هذا إن أنا رجعت تزوجت فأتاني آت في منامي فقال أنت القائل إن أنا رجعت تزوجت قم فقد زوجك الله العيناء فانطلق بي إلى روضة خضراء معشبة فيها عشر جوار في يد كل جارية صنعة تصنعها لم أر مثلهن في الحسن والجمال قلت لهن فيكن العيناء قلن لا نحن من خدمها وهي أمامك فانطلقت فإذا أنا بروضة أعشب من الأولى وأحسن فيها عشرون جارية في يد كل جارية صنعة تصنعها ليس العشر إليهن بشيء من الحسن والجمال قلت فيكن العيناء قلن لا ونحن من خدمها وهي أمامك فمضيت فإذا أنا بروضة أخرى أعشب من الأولى والثانية وأحسن فيها أربعون جارية في يد كل جارية صنعة تصنعها ليس العشر والعشرون إليهن بشيء في الحسن والجمال فقلت فيكن العيناء قلن لا نحن من خدمها وهي أمامك فانطلقت فإذا أنا بياقوتة مجوفة فيها سرير عليها امرأة قد فضلت السرير قلت أنت العيناء قالت نعم مرحبا فذهبت أضع يدي عليها فقالت مه إن فيك شيئا من الروح بعد ولكن فطرك عندنا الليلة قال فما فرغ الرجل من حديثه حتى نادى مناد يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنة قال فجعلت أنظر إلى الرجل وأنظر إلى الشمس ونحن مصافون العدو وأذكر حديثه فما أدري أيهما رأيته بدر أول هو أو الشمس سقطت أول فقال أنس رحمه الله تعالى.

.سجع:

يا هذا لقد بلغ القوم الآمال ونالوا ملكا عظيما لا يزال فأين ذاك التعب وتلك الأثقال وبقي المدح والترح زال {هم وأزواجهم في ظلال} طالموا نصبوا في خدمة ذي الجلال فشغلتهم عن اللذات أشغال وأزعجتهم عن الشهوات أوجال وقلقهم الموت إذا خطر بالقلب وجال فإذا وردوا تلقوا بالنوال {هم وأزواجهم في ظلال} بالغ القوم في التحقيق وأخذوا بالأمر الوثيق وأنذرهم الموت فما أبلغهم الرفيق فجدوا حتى خرجوا من المضيق فأما البطال فإنه لما تلمح الطريق رآه قد طال صام القوم عن الشهوات وقاموا لله في الخلوات وحبسوا الألسن عن فضول الكلمات وتركوا في الجملة جملة اللذات فانقضى رمضان صومهم وجاء شوال {هم وأزواجهم في ظلال} كم بينك وبينهم أسخن الشر عينك وأقر الخير أعينهم نالوا الحظ ونلت الحضيض أين أنت وأين هم وإنما يكال للعبد كما كال سبحان من أصلحهم وسامحهم وعاملهم فأربحهم وأثنى عليهم ومدحهم وأقال مجترحهم وقال: {هم وأزواجهم في ظلال} قطعوا المهامة ففازوا وعبروا قناطر الخوف وجازوا ونالوا غاية المنى وحازوا فسلم الربح ورأس المال {هم وأزواجهم في ظلال} قوله تعالى: {على الأرائك متكئون} قال ثعلب لا تكون الأريكة إلا سريرا في قبة عليه شواره ومتاعه والشوار متاع البيت تعبوا فأريحوا وزهدوا فأبيحوا زال نصبهم وارتفع تعبهم وحصل مقصودهم ورضى معبودهم.
قوله تعالى: {ولهم ما يدعون} أي ما يتمنون قال ابن قتيبة العرب تقول ادع ما شئت أي تمن ما شئت وقال الزجاج هو مأخوذ من الدعاء والمعنى كل ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم وقوله: {سلام} يدل من ما والمعنى لهم ما يتمنون سلام أي هذا منى أهل الجنة أن يسلم الله عز وجل عليهم و{قولا} منصوب على معنى لهم سلام يقوله الله قولا وفي حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يقول السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله عز وجل: {سلام قولا من رب رحيم} فينظر إليهم وينظرون إليه ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم.
سجع:
أين المستعدون لهذا الأمر الجسيم أين المخاطر في طلب ذا الفضل العظيم أين المتأهب لخلع الفوز والتقديم {سلام قولا من رب رحيم} لو رأيتهم في دار الإقامة على غاية الفوز والسلامة وعلى القوم حلل الكرامة والملك يسمعهم كلامه العزيز القديم {سلام قولا من رب رحيم} حلوا في جوار الجبار فحلوا بضائع الأسحار فجوزوا أن قيل لهم جوزوا بلا عثار وأشرف من جنات تجري من تحتها الأنهار أن أشرف عليهم الكريم بكل تكريم {سلام قولا من رب رحيم} طالموا تململوا تململ السليم وبكوا في الدجى بكاء اليتيم فانقشع الأمر إلى أن سامح الغريم فأحلهم برضوانه جنات النعيم والعيون تجري من رحيق وتسنيم وواسطة ذلك العقد المثمن النظيم {سلام قولا من رب رحيم}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (19):

قوله تعالى: {أن الدين عِنْدَ الله الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذلك علم أنه يجب أن تخضع له الرقاب ويخلص له التوحيد جميع الألباب وذلك هو الإسلام فقال معللًا للشهادة منهم بالعدل- وقراءة الكسائي بالفتح أظهر في التعليل: {أن الدين} وأصله الجزاء، أطلق هنا على الشريعة لأنها مسببة {عند الله} أي الملك الذي له الأمر كله {الإسلام} فاللام للعهد في هذه الشهادة فإنها أس لكل طاعة، فلأجل أن الدين عنده هذا شهدوا له هذه الشهادة المقتضية لنهاية الإذعان.
ولما كان ذلك مصرحًا بأنه لا دين عنده غيره كان كأن قائلًا قال: فكان يجب أن يعلم بذلك الأنيباء الماضون والأمم السالفون ليلزموه ويلزموه أتباعهم! فقيل: قد فعل ذلك، فقيل: فما لهم لم يلزموه؟ فقيل: قد لزموه مدة مديدة {وما} ويجوز وهو أحسن أن يكون التقدير: بين الله سبحانه وتعالى بشهادته ما يرضيه بآياته المرئية ثم أوضحة غاية الأيضاح بآياته المسموعة بكتبه وما {اختلف الذين أوتوا الكتاب} هذا الاختلاف الذي ترونه {إلا من بعد ما جاءهم العلم} بذلك كله، وما كان اختلافهم لجهلهم بذلك بل {بغيًا} واقعًا {بينهم} لا بينهم وبين غيرهم، بل من بعضهم على بعض للحسد والتنافس في الدنيا لشبه أبدوها ودعاو ادعوها، طال بينهم فيها النزاع وعظم الدفاع، والله سبحانه وتعالى عالم بكشفها، قادر على صرفها.
قال الحرالي: والبغي السعي بالقول والفعل في إزالة نعم أنعم الله تعالى بها على خلق بما اشتملت عليه ضمائر الباغي من الحسد له- انتهى.
ولما كان التقدير: فمن استمر على الإيمان فإن الله عظيم الثواب، عطف عليه قوله: {ومن يكفر} أي يستمر على كفره ولم يقل حلمًا منه: ومن كفر {بآيات الله} أي المرئيات والمسموعات الدالة على إحاطته بالكمال وقوفًا مع تلك الشبه وعمى عن الدليل فالله مهلكه عاجلًا {فإن الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا ولا كفوء له {سريع} قال الحرالي: من السرعة وهي وحاء النجاز فيما شأنه الإبطاء- انتهى.
ويحتمل أن يكون كنى بالسرعة عن القرب فالمعنى: قريب {الحساب} أي عن قريب يجازيهم على كفرهم في هذه الحياة الدنيا بأيدي بعضهم وبأيدي المؤمنين، ثم ينقلون إلى حسابه سبحانه وتعالى في الدار الآخرة المقتضي لعذاب الكفرة، ويحتمل أن تكون السرعة على بابها، والمراد أنه لا يتهيأ في حسابه ما يتهيأ في حساب غيره من المغالطة المقتضية للنجاة أو المطاولة في مدة الحساب المقتضية لتأخر الجزاء في مدة المراوغة والله تعالى أعلم.
ومن الكفر بالآيات الكفر بعيسى عليه الصلاة والسلام حين انتحلوا فيه الإلهية.
قال الحرالي: كان آية من الله سبحانه وتعالى للهداية، فوقع عندهم بحال من كفروا به، فكان سبب كفرهم ما كان مستحقًا أن يكون سبب هداية المهتدي، وكان ذلك فيه لمحل اشتباهه لأنه اشتبه عليهم خلقه بما ظهر على يديه من آيات الله سبحانه وتعالى، وفي التعريض به إلاحة لما يقع لهذه الأمة في نحوه ممن هو مقام الهداية فوقع في طائفة موقع آية كفروا بها. اهـ.